فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} يعني ما جرى بين إبراهيم وبين قومه واستدل على حدوث الكوكب والقمر والشمس بالأفول وقيل لما قالوا لإبراهيم إنّا نخاف عليك من آلهتنا لسبك إياها قال أفلا تخافون أنتم منها إذ سويتم بين الصغير والكبير في العبادة أن يغضب الكبير عليكم؟ وقيل: إنه خاصم قومه المشركين فمالوا أي الفريقين أحق بالأمن من يعبد إلهًا واحدًا مخلصًا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابًا كثيرة فدلوا من يعبد إلهًا واحدًا فقضوا على أنفسهم فكانت هذه حجة إبراهيم عليه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَتِلْكَ} إشارةٌ إلى ما احتج به إبراهيمُ عليه السلام من قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ} وقيل: من قوله: {أَتُحَاجُّونّى} إلى قوله: {مُّهْتَدُونَ} وما في اسمِ الإشارةِ من معنى البُعد لتفخيم شأن المُشار إليه والإشعارِ بعلو طبقته وسموِّ منزلتِه في الفضل، وهو مبتدأ، وقوله تعالى: {حُجَّتُنَا} خبرُه، وفي إضافتها إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى، وقوله تعالى: {آتَيْنَاهَا إبراهيم} أي أرشدناه إليها أو علّمناه إياها في محل النصب على أنه حال من {حجتُنا}، والعاملُ فيها معنى الإشارة كما في قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُواْ} أو في محل الرفع على خبر ثان، أو هو الخبر و{حجتُنا} بدل أو (عطفُ) بيانٍ للمبتدأ، و{إبراهيمَ} مفعولٌ أولٌ لآتينا قُدِّم عليه الثاني لكونه ضميرًا، وقوله تعالى: {على قَوْمِهِ} متعلِّقٌ بحجتُنا إن جُعل خبرًا لـ {تلك}، أو بمحذوفٍ إن جُعل بدلًا، أي آتينا إبراهيمَ حجةً على قومه، وقيل: بقوله: آتينا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَتِلْكَ} إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليه السلام من قوله سبحانه: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل} [الأنعام: 76] الخ، وقيل: من قوله سبحانه: {أَتُحَاجُّونّى} إلى {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 80 82] وتركيب حجة اصطلاحية منه يحتاج إلى تأمل وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه، وهو مبتدأ وقوله عز شأنه: {حُجَّتُنَا} خبره، وفي إضافته إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى، وقوله تعالى: {ءاتيناها إبراهيم} أي أرشدناه إليها أو علمناه إياها في موضع الحال من حجة والعامل فيه معنى الإشارة أو في محل الرفع على أنه خبر ثان أو هو الخبر و{حُجَّتُنَا} بدل أو بيان للمبتدأ، وجوز أن تكون جملة {ءاتَيْنَا} إلخ معترضة أو تفسيرية ولا يخفى بعده، و{إِبْرَاهِيمَ} مفعول أول لآتينا قدم على الثاني لكونه ضميرًا.
وقوله سبحانه: {على قَوْمِهِ} متعلق بحجتنا أن جعل خبرًا لتلك أو بمحذوف إن جعل بدلًا لئلا يلزم الفصل بين أجزاء البدل بأجنبي أي آتيناها إبراهيم حجة على قومه، ولم يجوز أبو البقاء تعلقه بحجتنا أصلًا للمصدرية والفصل، ولعل المجوز لا يرى المصدرية مانعة عن تعلق الظرف ويجعل الفصل مغتفرًا، وقيل: يصح تعلقه بآياتنا لتضمنه معنى الغلبة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

و{تلك} إشارة إلى جميع ما تكلّم به إبراهيم في محاجَّة قومه، وأتي باسم إشارة المؤنّث لأنّ المشار إليه حجّة فأخبر عنه بحجّة فلمَّا لم يكن ثمَّة مشار إليه محسوس تعيّن أن يعتبر في الإشارة لفظ الخبر لا غير، كقوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} [البقرة: 253].
وإضافة الحجّة إلى اسم الجلالة للتّنويه بشأنها وصحَّتها.
و{آتيناها} في موضع الحال من اسم الإشارة أو من الخبر.
وحقيقة الإيتاء الإعطاء، فحقَّه أن يتعدّى إلى الذّوات، ويكون بمناولة اليد إلى اليد.
قال تعالى: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى} [البقرة: 177]، ولذلك يقال: اليدُ العليا هي المعطية واليد السّفلى هي المعطاة.
ويستعمل مجازًا شائعًا في تعليم العلوم وإفادة الآداب الصالحة وتخويلها وتعيينها لأحد دون مناولة يد سواء كانت الأمور الممنوحة ذواتًا أم معانيَ.
يقال: آتاه الله مالًا، ويقال: آتاه الخليفة إمارة و{آتاه الله المُلك} [البقرة: 258]، {وآتيناه الحكمة} [ص: 20].
فإيتاء الحجّة إلهامُه إيّاها وإلقاءُ ما يعبِّر عنها في نفسه.
وهو فضل من الله على إبراهيم إذ نصره على مناظريه.
و{على} للاستعلاء المجازي، وهو تشبيه الغالب بالمستعلي المتمكّن من المغلوب، وهي متعلّقة {بحجّتنا} خلافًا لمن منعه.
يقال: هذا حجّة عليك وشاهد عليك، أي تلك حجّتنا على قومه أقحمناهم بها بواسطة إبراهيم، ويجوز أن يتعلَّق بـ {آتيناها} لمّا يتضمّنه الإيتاء من معنى النصر. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} الآية.
قال مجاهد وغيره هي قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن} [الأنعام: 81] الآية، وقد صدقه الله، وحكم له بالأمن والهداية، فقال: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
والظاهر شمولها لجميع احتجاجاته عليهم، كما في قوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} [الأنعام: 76]، لأن الأفول الواقع في الكوكب والشمس والقمر أكبر دليل وأوضح حجة على انتفاء الربوبية عنها، وقد استدل إبراهيم عليه، وعلى نبينا الصلاة والسلام بالأفول على انتفاء الربوبية في قوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} فعدم إدخال هذه الحجة في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} [الأنعام: 83] غير ظاهر، وبما ذكرنا من شمول الحجة لجميع احتجاجاته المذكورة صدر القرطبي، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية من أدل الدلائل على فساد قول الحشوية في الطعن في النظر وتقرير الحجة وذكر الدليل.
لأنه تعالى أثبت لإبراهيم عليه السلام حصول الرفعة والفوز بالدرجات العالية، لأجل أنه ذكر الحجة في التوحيد وقررها وذب عنها وذلك يدل على أنه لا مرتبة بعد النبوة والرسالة أعلى وأشرف من هذه المرتبة. اهـ.
قال الفخر:
قرأ عاصم وحمزة والكسائي {درجات} بالتنوين من غير إضافة والباقون بالإضافة، فالقراءة الأولى معناها: نرفع من نشاء درجات كثيرة، فيكون من في موضع النصب.
قال ابن مقسم: هذه القراءة أدل على تفضيل بعضهم على بعض في المنزلة والرفعة.
وقال أبو عمرو: الإضافة تدل على الدرجة الواحدة وعلى الدرجات الكثيرة والتنوين لا يدل إلا على الدرجات الكثيرة.
واختلفوا في تلك الدرجات.
قيل: درجات أعماله في الآخرة، وقيل: تلك الحجج درجات رفيعة، لأنها توجب الثواب العظيم.
وقيل: نرفع من نشاء في الدنيا بالنبوة والحكمة، وفي الآخرة بالجنة والثواب.
وقيل: نرفع درجات من نشاء بالعلم.
واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن كمال السعادة في الصفات الروحانية وفي البعد عن الصفات الجسمانية.
والدليل عليه: أنه تعالى قال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتيناها إبراهيم على قَوْمِهِ}.
ثم قال بعده: {نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاء} وذلك يدل على أن الموجب لحصول هذه الرفعة هو إيتاء تلك الحجة، وهذا يقتضي أن وقوف النفس على حقيقة تلك الحجة وإطلاعها على إشراقها اقتضت ارتفاع الروح من حضيض العالم الجسماني، إلى أعالي العالم الروحاني، وذلك يدل على أنه لا رفعة ولا سعادة إلا في الروحانيات. والله أعلم.
قوله تعالى: {حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
المعنى أنه إنما يرفع درجات من يشاء بمقتضى الحكمة والعلم، لا بموجب الشهوة والمجازفة.
فإن أفعال الله منزهة عن العبث والفساد والباطل. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الماوردي:

{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَشَاءُ}.
فيه أربعة أوجه:
أحدها: عند الله بالوصول لمعرفته.
والثاني: على الخلق بالاصطفاء لرسالته.
والثالث: بالسخاء.
والرابع: بحسن الخلق.
وفيه تقديم وتأخير، وتقديره: نرفع من نشاء درجات. اهـ.

.قال ابن عطية:

و{درجات} على قراءة من نون نصب على الظرف، و{عليم حكيم} صفتان تليق بهذا الموضع إذ هو موضع مشيئة واختيار فيحتاج ذلك إلى العلم والإحكام، والدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {نرفع درجات من نشاء} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عمرو، وابن عامر: {درجاتِ من نشاء}، مضافا.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، {درجاتٍ}، منونا، وكذلك قرؤوا في (يوسف) [يوسف: 76] ثم في المعنى قولان:
أحدهما: أن الرفع بالعلم والفهم والمعرفة.
والثاني: بالاصطفاء للرسالة.
قوله تعالى: {إن ربك حكيم} قال ابن جرير: حكيم في سياسة خلقه، وتلقينه أنبياءه الحج على أممهم المكذبة {عليم} بما يؤول إليه أمر الكل. اهـ.

.قال القرطبي:

{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ} أي بالعلم والفهم والإمامة والملك.
وقرأ الكوفيون {درجاتٍ} بالتنوين.
ومثله في يوسف أوقعوا الفعل على من لأنه المرفوع في الحقيقة، التقدير: ونرفع من نشاء إلى درجات.
ثم حذفت إلى.
وقرأ أهل الحَرَمين وأبو عمرو بغير تنوين على الإضافة، والفعل واقع على الدرجات، وإذا رُفعت فقد رُفع صاحبها.
يقوّي هذه القراءة قوله تعالى: {رَفِيعُ الدرجات} [غافر: 15] وقوله عليه السلام: «اللَّهُمَّ ارفع درجته» فأضاف الرفع إلى الدرجات.
وهو لا إله إلا هو الرفيع المتعالي في شرفه وفضله.
فالقراءتان متقاربتان؛ لأن من رُفعت درجاته فقد رُفع، ومن رُفع فقد رفعت درجاته، فاعلم.
{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} يضع كل شيء موضعه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{نرفع درجات من نشاء} أي مراتب ومنزلة من نشاء وأصل الدرجات في المكان ورفعها بالمعرفة أو بالرسالة أو بحسن الخلق أو بخلوص العمل في الآخرة أو بالنبوة والحكمة في الدنيا أو بالثواب والجنة في الآخرة، أو بالحجة والبيان، أقوال أقر بها الأخير لسياق الآية ونوّن درجات الكوفيون وأضافها الباقون ونصبوا المنون على الظرف أو على أنه مفعول ثان، ويحتاج هذا القول إلى تضمين نرفع معنى ما يعدّي إلى اثنين أي نعطي من نشاء درجات.
{إن ربك حكيم عليم} أي {حكيم} في تدبير عباده {عليم} بأفعالهم أو {حكيم} في تقسيم عباده إلى عابد صنم وعابد الله: {عليم} بما يصدر بينهم من الاحتجاج، ويحتمل أن يكون الخطاب في {إن ربك} للرسول ويحتمل أن يكون المراد به إبراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب. اهـ.

.قال الخازن:

{نرفع درجات من نشاء} يعني بالعلم والفهم والعدل والفضيلة كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى إلى محاجَّة قومه.
وقيل: نرفع درجات من نشاء في الدنيا بالنبوة والعلم والحكمة وفي الآخرة بالثواب على الأعمال الصالحة {إن ربك حكيم عليم} يعني أنه تعالى حكيم في جميع أفعاله عليم بجميع أحوال خلقه لا يفعل شيء إلا بحكمة وعلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{نَرْفَعُ} بنون العظمةِ، وقرئ بالياء على طريقة الالتفات وكذا الفعل الآتي {درجات} أي رتبًا عظيمةً عالية من العلم، وانتصابُها على المصدرية أو الظرفية أو على نزع الخافض، أي إلى درجات أو على التمييز، والمفعولُ قولُه تعالى: {مَّن نَّشَاء} وتأخيرُه على الوجوه الثلاثة الأخيرةِ لما مر من الاعتناء بالمقدَّم والتشويقِ إلى المؤخَّر، ومفعولُ المشيئة محذوفٌ، أي من نشاء رفعَه حسْبما تقتضيه الحِكمةُ وتستدعيه المصلحةُ، وإيثارُ صيغةِ الاستقبالِ للدلالة على أن ذلك سُنةٌ مستمرَّة جاريةٌ فيما بين المُصطَفَيْنَ الأخيارِ غيرُ مختصةٍ بإبراهيمَ عليه السلام، وقرئ بالإضافة إلى (من)، والجملةُ مستأنَفة مقرِّرةٌ لما قبلها لا محل لها من الإعراب، وقيل: هي في محل النصب على أنها حالٌ من فاعل (آتينا) أي حال كوننا رافعين إلخ.
{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} في كل ما فعل من رفْعٍ وخفضٍ {عَلِيمٌ} بحال من يرفعُه واستعدادِه له على مراتبَ متفاوتة، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها، وفي وضع الرب مضافًا إلى ضميره عليه السلام موضِعَ نونِ العظمةِ بطريق الالتفاتِ في تضاعيف بيانِ أحوالِ إبراهيمَ عليه السلام إظهارٌ لمزيد لُطفٍ وعنايةٍ به عليه السلام. اهـ.